في ظل العدوان على غزة : لعبة ال PES و الصاروخ الذي قتل متعتنا
03/08/2016
تعليق واحد
في اليوم الثالث من شهر أغسطس، اليوم السادس و العشرين في ظل القصف و الحرب على غزة، الساعة الثالثة بعد الظهر تقريبا .. ﻻزالت أذكر تلك الساعة المشؤومة تماماً ، كنا جالسين في بيتنا نستعد ﻷن نلعب لعبة " PES 2013 " على اللاب توب ، أنا و صديقي " أبو أسعد " و اثنان من أبناء عمي " أدهم و طﻻل " وفي ذلك الوقت لم يبق في بيتنا أحد من أهلي إﻻ أنا و أبي ، و ذلك ﻷن وطيس الحرب اشتدت و الكثير من عائلات حينا نزحوا إلى مناطق أكثر أماناً من منطقتنا ، حيث كنا نسكن على الأطراف الشمالية لقطاع غزة ، فقد أمر أبي أهلي أن يتركوا البيت بأسرع وقت و أن يبق هو بالبيت ، فرفضت الذهاب مع بقية أهلي إلى بيت جدي في مخيم الشاطئ حيث كان أبي يعتقد أن ذلك المكان أكثر أماناً ، و عزمت البقاء برفقة أبي في البيت و بعد معاندة وافق أبي أن يبقيني معه ، و أيام الحرب كانت عادتنا أن نتبارز من هو اﻷفضل منا في لعبة " PES 2013 " ، لعلها تخرجنا من جو الحرب و يغنينا صوت اللعبة عن أصوات صواريخ الطائرات التي لم تهدأ و لم تكن أبداً ، و عندما هممنا باللعب لم نجد ما يسمى " يد أو قير بﻻستيشين " فقام ابن عمي " طﻻل " إلى بيتهم المﻻصق لبيتنا ليجلبها لنا ، و خرج طﻻل من منزلنا ، و إذ بنا نسمع صوت إنفجار قريب جداً و سقف بيتنا ينهار فوق رؤوسنا ، و من شدة الانفجار وقربه سقطنا على الأرض و دخان الانفجار حجب ع أعيننا الرؤية أو بالأحرى أعمانا ، و لم أستطع رؤية شئ و في أجواء الموت هذه إذ بي أسمع بصوت أبي يصرخ بعالي صوته ( ولييييييييد .. يابا يا ولييييييييد ) و بعدها صار يصرخ " الله أكبر ، ﻻ إله إلا الله ، حسبنا الله ونعم الوكيل " و بعدها رآني و رأيت في وجهه شئ من الاطمئنان ، ثم بعدها بدأت بالصراخ على أبناء عمي و صديقي فرأيت أدهم و أبو أسعد ، و تذكرت طﻻل ، أين طﻻل بدأت بالصراخ أين طﻻل ، و خرجنا من بيتنا بصعوبة ، و إذ بنا نرى الفاجعة الكبرى بيت عمي قد قصف كان هو المستهدف ، كان ركاما هامدا و رأيت طﻻل ملقى على الأرض عند مدخل باب بيتهم يصرخ و يئن و دمائه تنزف من رأسه ملئت الأرض ، أصبحت كالمجنون ﻻ أعرف شيئا و كأنما قدماي تربطت بالأرض ، أجهشت بالبكاء و ذهبت أستغيث بالناس و بالجيران ، لكي يقوموا بمساعدتي و معرفة من كان في بيت عمي و من منهم بقي على قيد الحياة و من أصيب و من استشهد منهم ، فصعدنا فوق الركام لنبحث عن أحياء و إذ بنا نرى أربعة من أبناء عمي و الدماء تغمرهم و قد فارقوا الحياة " عبد الله و عبد الرازق و محمود و روان " و المنظر الذي أفجعني هو رؤيتي لعبد الله ممزق إلى أشﻻء ، و الذي لم تصدقه عيناي أني وجدت محمود ابن عمي الآخر ممدد على الأرض و دمائه تسيل من رأسه ، ﻷحدثكم عنهم "محمود " يبلغ السابعة من عمره و هو الابن الوحيد لعمي أحمد رزقه الله إياه بعد معاناة أي بعد خمسة و عشرين سنة من الشوق و العطش عن طريق الأنابيب بعد عدة محاوﻻت ﻹنجابه، فكان قدره أن يكون موجود في بيت عمي عبد الهادي الذي تم قصفه و أن يستشهد مع البقية ، و يترك من ورائه حسرة ألم أوجعت قلب والديه ، أما عن " روان " فهي لم تبلغ الحادية عشر بعد تكون بنت ابنة عمي عبد الهادي فهي يتيمة الأب الذي استشهد بأحد أنفاق مدينة رفح حيث كان يعمل في حفر الأنفاق الخاصة بالتجارة الواصلة بين قطاع غزة المحاصر و دولة مصر الشقيقة فكان قدره أن يلقى حتفه تحت أنقاض أحد الأنفاق ليموت خنقا بالرمال تحت الأرض رحمه الله هو و ابنته.
أما عن " عبد الله " فكان في الرابعة عشر من عمره - و هو تؤام طﻻل الذي أصيب بكسر في عظام جمجمة رأسه - و هو الابن المفضل و المدلل لعمي عبد الهادي ، حيث كان مﻻزما له في كل مكان أينما يذهب يأخذه برفقته ، كان شقياً جداً لكنه ذكيا لدرجة أنه يستطيع أن يأخذ منك ما يشاء دون أن تﻻحظ ذلك، وهذا ما حبب والده فيه .
أما " عبد الرازق " فتعمدت أن أبقيه للنهاية ، ﻷنه يعني لي الكثير فهو الوحيد من أبناء عمومتي الذي يساويني سناً ، أي أنه لم يكن مجرد ابن عم فقط بل كان أخي و صديقي ، عبد الرازق كان شاباً ملتزما دينياً و يشهد له أبناء الحي بأخﻻقه و إلتزامه ، كان طيب القلب معطاء لدرجة أن كان يعطي بدون مقابل ، كان بارعاً جداً في لعبة " PES 2013 " كان يغلبني دائماً كنت أتمنى دوماً أن أصبح مثله في اللعب ، كان دائماً يختار فريق بايرن ميونيخ الألماني في اللعب و أنا أختار فريق ريال مدريد ، كان مهووس بلعبة كرة القدم و لكن هوسه بفريق نادي بايرن ميونيخ أكبر ، في آواخر أيامه قبل أن يستشهد كان يتلكم كثيراً عن الموت و كان يتمنى أن يموت شهيداً ، و كأنه كان يعلم بدنو أجله ، فرزقه الله ما أراد رزقه الله الشهادة التي كان يتمناها .
هنيئاً لكم جميعاً ذهبتم و تركتم القلب من بعدكم مثقﻻ بالألم و الفرقى !
هنيئاً لكم جميعاً ذهبتم و تركتم القلب من بعدكم مثقﻻ بالألم و الفرقى !
الفلسطينيون و لعنة الموت المتلازمة
دائما للفلسطينين نصيب من الموت أينما حل، لا يبخل عليهم أبدا، و كأن الموت فرض نفسه عليهم بالقوة، أحيانا أتعجب من سر العلاقة القوية بين الفلسطينين و الموت، ما هذا الرابط القوي الذي يربط كلا منهما الآخر، متلازمان ﻷبعد حد، دائما ما كتب عليهم الموت على حساب الحياة، غريبون نحن و كأن حدوثة الموت باتت تعجبنا من أكثر أي شيء، حقيقة إننا كفلسطينين الأجدر بالحياة على وجه الأرض، و مثلما قال درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" و نحن من هم على هذه الأرض، و لنا الحق بالعيش كباقي الشعوب، سئمنا صور الموت المتعددة و هيئاته التي علقت بأذهاننا، سئمنا الموت في حرب أو عن طريق صاروخ هائج يشحذ الموت منا و يقتل أحلامنا في لحظتها، أو غرقا في قوارب الموت فالبحر هروبا للحياة، و الموت ببراميل الموت في سوريا، و الموت حرقا و شنقا من وجع الحياة، أو الموت هنا أو هناك في تفجير إرهابي يلخص مشهد ملازمة الموت لنا.
تعددت السبل و الوسائل و الموت واحد، و للفلسطيني منا حقه ككل البشر بأن "يحلم بالحياة كالحياة" لأننا شعب " نحب الحياة ما استطعنا لها سبيلا " فرجاءا منك يا موت دعنا لوحدنا نبحث عن الحياة !
كأُمي لن أجد !
و في ذكرى رحيلك يا أماه، أصبح فؤاد ابنك فارغاً، كهذا اليوم بالظبط قبل أربعة سنوات انغلق لي فيه باب من أبواب الجنة، 24/3 لعام 2012 .. عن آخر ليلة ﻷمي مكثت بها في ذلك المستشفى اللعين " الشفاء " ﻻزالت أذكر تماماً ما كان يتمتم به الطبيب الذي يشرف على عﻻج أمي، أن بقاء دقات قلبها تنبض مسألة وقت ﻻ أكثر، صراحةً لم أكن كبيراً بما فيه الكفاية ﻷتلق مثل فاجعة هذا الخبر، شعرت برهبة شديدة شدت قلبي و انجرفت به حد السقوط للهاوية، أتعرفون الدعاء الذي نقول به " اللهم ﻻ تحملنا ما ﻻ طاقة لنا به " وقتها شعرت بأن قلبي تحمل أكبر من طاقته، ﻻ ندري أحياناً نحمل أشياء أكبر من حجمنا و عمرنا بكثير لدرجة أنها تقتلنا من الداخل و تدمينا بعمق. حقيقةً إن ما أدمى قلبي فعلياً أني لم أكن موجوداً بجانبها وقت ما لفظت الشهيق الأخير الذي أخذ كل شئ، كل شئ، حتى ابتسامتها البسيطة خطفها التي كانت عندي خير من الدنيا و ما فيها. حقاً أتعجب من جسد أمي كيف له بأن احتمل مرضاً لازم جسدها سنوات، أنهكها جداً، أنهك روحها و أثقل فؤادها، أم كأمي ﻻ وجود لها في هذا العالم البائس، قوية هذه المرأة تحملت كل هذا و مع ذلك كانت خير أم تعطي ﻷبناءها الكم الهائل من الحب و الحنان، كثيراً ما كنت أستيقظ على صوتها عندما كان يشتد بها الألم في الليل، و أقول في نفسي ما هذا اﻷلم الذي يضرب في جسد إنسان لدرجة أن يحرمه نومه، على حين كثير من الأمهات غارقات في أحﻻمهن و نومهن، كم كنت وحدك يا أمي تكابدين و تصارعين هذا المرض اللعين، حينما كنت أسمع صوتها و هي تتألم كنت أدعو الله بأن ينزع ذلك الألم من جسدها المنهك، و أن يزرعه بجسدي ﻷتحمل عنها و لو القليل مما تحملته عنا، عظيمة كنتِ يا أمي. إن أكثر ما يحزنني أن أمي رحلت قبل تشاهد ابنها يكبر أمام أعينها و ينهي تعليمه في الثانوية و يحصل على درجة الامتياز كما كانت تتمنى أن تراني، بل و أنا أدخل الجامعة، كانت دائماً ما تقول لي أمي " أنت أملنا يما " كنت أضحك عندما أسمعها تقول ذلك و أقول لها " إن شاء الله يما ربنا كريم " لعل ما كان يجعلها تقول ذلك أني كنت المتفوق بين أخوتي، كنت أتمنى أن تكون أمي بجانبي أن توقظني من النوم و تقول لي قم " يما " لقد تأخرت عن جامعتك، و أن أحدثها عن الفتاة التي أحببتها كانت لتفرح بأن ولدها كبر و أصبح عاشق، ياااه يا أمي، أين أنتِ أحتاجك اليوم أكثر من ذي قبل، فهناك الكثير من الكﻻم لدي ﻷقصه عليك، الكثير الكثير يا أمي !
كلمة لعام 2015
عام 2015 كان من أكثر الأعوام تميزاً في حياتي، ليس ﻷني غادرت غزة كما يعتقد البعض، بل ﻷنه شكل لي نقطة تحول و نضوج فكري و ثقافي، تعرفت فيه على أشخاص جدد من كافة المستويات، و من خﻻل تعاملي معهم اكتسبت الكثير و الكثير، و منهم من أصبحوا قريبين إلى قلبي، تعثرت و واجهت الكثير من الصعوبات لكن لم أنكسر أبداً، عاهدت نفسي على التقدم و السير للأمام، فكافحت و قاتلت و بكل بسالة نهضت و وقفت على ناصية الحلم، و هنا أشكر كل من وقف بجانبي و ساندني و دعمني و لو بالقليل، و أعتذر لكل من أسأت بحقه سواء عن قصد أو بدون قصد، لكن حقيقةً من أفتقده بالفعل في غربتي هذه هي أمي - رحمة الله عليها - على الرغم من أنها توفيت إﻻ أنها من أكثر الأشياء التي أحن إليها في غربتي، صراحةً ﻻ أعلم لماذا، لعلها لو كانت حية لما وافقت على بعدي عنها، فلهذا تخطر ببالي كثيراً، أعتقد هذا هو السبب.
تعلمت كيف يعتمد الشخص على نفسه، كيف يتصرف في أصعب المواقف، كيف يتعامل مع الآخرين. كثيراً ما قصرت في حق الله تعالى، لكن سرعان ما أندم على ذلك و أطلب مغفرته، ﻻ أدري إن كان الله يقبل ندمي و يغفر لي، لكن ما أؤمن به أن رحمة الله وسعت كل شيء، و أن الله ﻻ يخذلنا أبداً. عاهدت نفسي على الغرح و السعادة، حتى و إن أحيطت بكوكبة من التعساء ظروفاً و أشخاصاً، فذهبت إلى هنا و هناك، و زرت أماكن لطالما أحببت و تمنيت أن أزورها و قضيت أجمل الأوقات برفقة من أحب. فنصحية مني لكل منكم اغتنموا أقل لحظة و حاولوا أن تستمتعوا بالحياة، ﻷننا ﻻ ندري حقاً كم تبقى لنا في مشوارنا بهذه الدنيا.
يا " نفسي " جاوزت العشرين فدعي الهمّ، و نامي !
ماذا يعني أن تكبر عاماً إضافياً ! سيزداد رصيد عمرك سنة على هذه الحياة، بل ستزداد همومك، تفكيرك، أﻵمك، أحﻻمك، خيباتك، طموحاتك، أحزانك .. و الكثير من الأشياء، ﻻ ندري حقاً كم من دموع ذرفناها، كل ما أضاء أرواحنا يوماً أو أضناها، أو أمات الأزهار التي تناضل كي تبقى فينا، و إن ذبلت، كل ما نتذكره من صعود، أو سقوط، كل ما أنسانا النوم يوماً، كل ما اتخذناه من قرارات طائشة، حتى لحظات التمرد أو الكره أو الغضب أو الصمت، حقيقةً ﻻ نعي هل آتينا نفوسنا حقها كما يجب، أم قصرنا، لعلها نفوسنا هي التي لها حق علينا، هي سواها ﻻ غيرها.
صراحةً إن فكرة التقدم بالعمر ما عادت تناسبني، أصبحت شيئاً مملاً ﻻ يثير الحماسة أبداً، نحدث أنفسنا باستمرار لما ﻻ يمكننا الرجوع للماضي، أن نبقى صغار ﻻ نكبر بتاتاً، لكن في الواقع ﻻ نستطيع أن نغير شئ ، أن نغير الحقيقة و هي أننا كبرنا !
يقول محمود درويش :
" يا أمي
جاوزت العشرين
فدعي الهمّ، و نامي!
إن قصفت عاصفة
في تشرين
ثالثهم
فجذور التين
راسخة في الصخر.. و في الطين
تعطيك غصونا أخرى
و غصون! "
جاوزت العشرين
فدعي الهمّ، و نامي!
إن قصفت عاصفة
في تشرين
ثالثهم
فجذور التين
راسخة في الصخر.. و في الطين
تعطيك غصونا أخرى
و غصون! "
7/12 / 1995
7 / 12 / 2015
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)